ماهى الزراعة الذكية مناخيًّاها
نتوقع خبراء المناخ منذ زمن بعيد التبعات القاسية لانعدام الأمن الغذائي إذا لم تُتخذ خطوات جادة للتعامل مع تغير المناخ. فمن المتوقع أن تتسبب زيادة درجات الحرارة والجفاف والأحداث المناخية القاسية في معاناة الزراعة بأماكن معينة؛ هذا بالتوازي مع الزيادة السكانية العالمية وزيادة مطالبها الغذائية بشكل متسارع. ولذلك ظهر الاهتمام باستخدام النماذج لتوقع طرق تأثير تغير المناخ في الزراعة، وماذا ستعني تلك الآثار بالنسبة إلى المجتمعات الإنسانية مستقبلًا.
إن الأمن الغذائي قضية جادة تواجهها الإنسانية جمعاء؛ فهي تُعنى بكيفية توفير الغذاء لكتلة سكانية متزايدة في زمن من التغير المناخي، وهو ما لا يمكن توقعه وليس مفهومًا على أكمل وجه. فعلى مر آلاف السنوات من الزراعة، اختار البشر النباتات لصفات معينة، بالأخص المحصول أو الإنتاج. والإنتاج العالي مهم لتغذية التعداد السكاني المتزايد، ولكنه يعني أن تصبح محاصيلنا الغذائية متجانسة أو متماثلة للغاية. وإذا ظهرت حشرة أو جرثومة معينة، أو حدث ضعف ما في مواجهة تغير المناخ، فإن المحصول بأكمله يصبح ضعيفًا بسبب افتقاره إلى التنوع الجيني داخليًّا.
إن تأثير تغير المناخ السلبي واضح في شكل محاصيل أقل وأحداث مناخية أقسى وأكثر تكرارًا تؤثر في المحاصيل والمواشي على حد سواء. ولذلك يتطلب الأمر استثمارات جوهرية للتأقلم والحفاظ على المحاصيل الحالية وتحقيق زيادة الإنتاج المطلوب. وكذلك تشكل الزراعة جزءًا كبيرًا من مشكلة المناخ؛ حيث تولد حاليًّا 19-29% من إجمالي انبعاثات غازات الصوبة الزجاجية. وبدون العمل على الحد من ذلك، فإن تلك النسبة قد ترتفع بشكل كبير في حين تقلل القطاعات الأخرى من انبعاثاتها.
الزراعة الذكية مناخيًّا
الزراعة الذكية مناخيًّا توجه متكامل لإدارة المساحات الأرضية الطبيعية بما فيها من أراضٍ مزروعة، ومواشٍ، وغابات، ومصايد سمكية؛ بحيث يخاطب ذلك النوع من الزراعة التحديات المتشابكة للأمن الغذائي وتغير المناخ. تهدف الزراعة الذكية مناخيًّا إلى تحقيق ثلاثة مخرجات: زيادة الإنتاج، وتعزيز المرونة، وخفض الانبعاثات.
وتقوم الزراعة الذكية مناخيًّا على الخبرات الموجودة فعليًّا ومعرفة التنمية الزراعية المستدامة. ومن أساس الزراعة الذكية مناخيًّا التكثيف المستدام؛ فيسهم الاستخدام الأكثر فاعلية للموارد في التأقلم مع تأثيرات تغير المناخ وتخفيفها من خلال التأثير في إنتاج المزارع ودخولها، وكذلك تقليل الانبعاثات لكل وحدة من المنتج. فللتكثيف المستدام بالأراضي الزراعية الحالية إمكانيات كبيرة فيما يتعلق بتخفيف آثار تغير المناخ، وذلك بتخفيض تحويل الغابات والأراضي الرطبة إلى استخدامات أخرى.
وتعزز الزراعة الذكية مناخيًّا الأنظمة الزراعية التي تستخدم خدمات الأنظمة البيئية لدعم الإنتاج، والتأقلم، وتخفيف وطأة تغير المناخ. تشمل الأمثلة على ذلك: المحاصيل والثروات الحيوانية والمائية المدمجة، والإدارة المحسنة للآفات والمياه والمغذيات، والتوجه الشامل إلى الطبيعة الأرضية، والإدارة المحسنة للأراضي العشبية والغابات، والممارسات مثل الحرث المخفض واستخدام أنواع مختلفة، ودمج الأشجار في الأنظمة الزراعية، وإعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، وتحسين كفاءة استخدام المياه والسماد النيتروجيني، وإدارة التسميد، بما في ذلك استخدام الهضم الحيوي اللاهوائي.
ومن شأن تحسين نوعية التربة إفراز فوائد إنتاجية وتأقلمية وتخفيفية عن طريق تنظيم دورات الكربون، والأكسجين، والمغذيات النباتية؛ ما يؤدي إلى مرونة محسنة في مواجهة الجفاف والفيضان، وكذلك حبس الكربون. إلا أنه يجب مصاحبة تلك التغيرات في الإمدادات بمجهودات لتغيير أنماط الاستهلاك، وتخفيض الهدر والمخلفات الناتجة، وإنشاء محفزات إيجابية على طول السلسلة الإنتاجية.
إن العالم يتأرجح على حافة جرف خطر؛ فإذا لم نلتزم معًا لاتخاذ الإجراءات الجادة، فإن مستقبل البشرية يبدو قاتمًا. ويُعدُّ الأمن الغذائي من بين أكثر أساسيات حقوق الإنسان التي يجب تأمينها واستدامتها إلحاحًا؛ إن لم يكن على رأس القائمة بالفعل. لذا يجب أن تصبح الزراعة مرنة في مواجهة المناخ، ومن ثم يجب أن تتحقق الزراعة الذكية مناخيًّا؛ فيمكنها أن تكون إلهامًا للسياسات والاستثمارات المستقبلية.