08-24-2012, 02:07 AM
|
المشاركة رقم: 1
|
المعلومات |
الكاتب: |
|
اللقب: |
عضو مميز |
الرتبة |
|
البيانات |
التسجيل: |
Sep 2011 |
العضوية: |
31 |
المشاركات: |
1,615 [+] |
بمعدل : |
0.34 يوميا |
اخر زياره : |
[+] |
الإتصالات |
الحالة: |
|
وسائل الإتصال: |
|
|
المنتدى :
منتدى شبكات الري الحديثة
لا شك أن كل من تجول بين مزارع النخيل المنتشرة في ثنايا جبال هجر قد صادف الأقنية الضيقة التي تحمل المياه من البرك المخصصة لجمعها إلى الحقول الصغيرة التي تنبت فيها أشجار النخيل والحمضيات والمانجو، ومزارع الموز والبرسيم. وهذه الأقنية في المزارع القديمة مصنوعة من الطين أو الحجارة، وتتلوى منسابة برشاقة بين الأعشاب التي ترتوي من المياه المتسربة منها. أما في المزارع الحديثة، فقد استعيض عنها بأقنية مبنية من الإسمنت، تشق طريقها باستقامة عبر الحقول. وحيث أن المياه لا ترشح منها، فإن الأعشاب نادرة أو معدومة الوجود حولها. والحقيقة أن الأنظمة القديمة تمثل إغراء أكبر لشخص مثلي يهتم بالتاريخ الطبيعي. ففي تلك البيئة يساعد الري زهوراً رائعة الجمال على الحياة، وكذلك فراشات متنوعة وضفادع، فضلاً عن أسماك الوادي الصغيرة. وليس هناك أروع من التفرج على الفلاحين وهم يستخدمون نظام الري الذي عمل على النحو التالي: يتم تمرير الماء من موارده الجبلية النائية إلى حوض كبير أو مجموعة برك على حافة المزرعة. ومن هناك تنطلق شبكة من الأقنية السطحية طولاً وعرضاً. وعندما تتفرع قناة ضيقة من قناة واسعة، يتم صنع رتاج، إما من المعدن أو من الحجارة، أو أحياناً من صرَّة من الخرق البالية. ثم يفتح الرتاج ليتدفق الماء نحو مجموعة من الأثلام حتى ترتوي الأشجار المغروسة فيها. وبعدئذ يفتح رتاج آخر لنقل الماء لأثلام أخرى. وبهذه الطريقة يتم توصيل الماء المتوفر لجميع أشجار المزرعة على مدى يوم أو يومين. وفي الليل تمتلئ برك الجمع من جديد لتبدأ العملية من بدايتها في الصباح التالي. كنت لسنوات طويلة أظن أن تلك الأقنية تدعى أفلاجاً – وهي جمع فلج. لكني علمت مؤخراً أن هذا الاسم هو للجزء المبني تحت الأرض من شبكة الري. أما الأقنية السطحية التي تمكن رؤيتها فوق التراب، فهي تدعى أغيالاً، وواحدها غيل.والكلمة تعني أيضاً الوادي المسكون، والأجمة، ولذا فإنها تطلق على عدد من القرى الصغيرة في الدولة. عندما يسقط المطر هنا، فإنه في الغالب يسقط على الجبال، حيث تتسبب العواصف الرعدية بحدوث ارتشاح مائي، حتى في أشهر السيف القائظة. وهناك في أماكن متعددة من جبال حجر جداول تسيل مياهها طيلة أيام السنة، أو حتى برك عميقة يبقى قيها الماء وقتاً طويلاً حتى من سنوات الجفاف. وكانت المياه من هذه الموارد تستخدم منذ قرون كثيرة لري التربة الخصبة عند سفوح السلسلة الجبلية. ومدينة العين هي مثال كامل على كيف تعيش واحة كبرى بفضل موارد مياه الجبال ونظام الري الذي ينقل المياه في شبكة تمتد عشرات الكيلومترات، عابرة الجبال وسهول الحصباء، وصولاً إلى المزارع المقامة قرب السفح حيث التربة الغضارية.
وهذا النظام لأقنية الري معروف في أماكم أخرى في العالم، وحتى في أوروبا (إسبانيا) وآسيا الوسطى. وكان أكثرها تعقيداً في إيران وأفغانستان، حيث تدعى الواحدة منها "قناة" و"كهريز". وكان يعتقد أن تلك هي الأقدم في العالم، حيث تحدثت عنها كتابات أثرية من عصر الملك الأشوري سرجون الثاني عام 714 ق. م. كما كان يسود الاعتقاد أن فن بناء تلك الأقنية جاء للجزيرة العربية من إيران والعراق. إلا أن دراسة الآثار كشفت مؤخراً أن شبكة الأقنية المنتشرة إلى الجانب الغربي من جبال حجر في الإمارات العربية المتحدة وعمان تسبق نظام "القناة" الإيراني بعدد من القرون. وقد يكون مرجحاً أن المهارات الهندسية اللازمة لبناء هذه المجاري المائية المعقدة انتقلت بالاتجاه المعاكس. كما أن أصل كلمة "القناة" العربي يعتبر دليلاً على أن نظام الري تحت الأرضي إنما نشأ في شبه الجزيرة العمانية وليس في إيران. أجرى الدكتور وليد ياسين التكريتي مستشار الآثار في دائرة الآثار والسياحة في العين حفريات عدة كشفت الأفلاج العميقة التي يعود تاريخها لألف عام قبل الميلاد، وهو عمر يزيد عن عمر أفلاج إيران. والأفلاج التي اكتشفت مؤخراً كانت مبطنة بشرائح من الحجر الرقيق، وكانت بالغة الدقة. وعلاوة على ذلك، فإن من قاموا بحفرها إلى تلك الأعماق إنما كانوا عمالاً من عشائر محددة، مثل العوامر البارعين في هذا النوع من الأعمال. وما زال أحفادهم يعيشون في المنطقة حتى اليوم، حيث قاموا بتجديد النظام القديم قبل 50 سنة خلت. تبدأ القناة من مورد المياه في الجبل، أو من جيب مائي تحت الأرض تم الوصول إليه عبر بئر محفورة. أما الفلج فيحفر بصورة مائلة تسبب سيلان الماء بسلاسة مدفوعاً بقوة الجاذبية. ومن أجل ذلك ينبغي حساب الزاوية بدقة، وبحيث يصل الفلج إلى الحقول التي سيرويها عند المستوى المطلوب بالضبط. ويحفر كل مئة متر تقريباً حفرة أسطوانية تنفتح على الفلج، وتدعى "ثُقبه"، والغرض منها توفير الهواء النقي للعاملين، وتسهيل أعمال الصيانة في المستقبل. وعندما يقترب الفلج من المزارع يتحول من نفق إلى ما يشبه الخندق الذي يغطى بألواح الحجارة والآجر للحيلولة دون تبخر الماء أو تلوثه. وعندما يصل مستوى جريان الماء إلى سطح الأرض، يحفر حوض كبير يدعى "الشريعة"، ليتم جمع الماء فيه. كما يستخدم كحوض للغسيل. وو مبطن بشرائح مسطحة من الصخور. وفي أحد المواقع القر يبة من العين، ويدعى بدع ابن سعود، هناك درج طويل شديد الانحدار ينزل إلى قاع الشريعة. (هذا الكشف هو الذي وفر المعلومات حول عمر النظام:فقد عثر على أكثر من 300 كسرة فخارية عند الحفر للوصول إلى قعر الشريعة الواقع على عمق 3.8 متر تحت مستوى السطح الحالي. وكانت الكسرات تعود للعصر الحديدي، أي لحوالي 3000 سنة مضت). تتفرع من الحوض شبكة من الأغيال التي تنقل الماء إلى الحقول التي تحتاج للري. ومع مرور الزمن، كان لا بد أحياناً من تعميق مجاري المياه لكي يواصل الماء جريانه. وكان ذلك يؤدي إلى امتداد النظام مسافة أطول قليلاً كل مرة، وبارتفاع أدنى قليلاً، وكان ذلك يعني تراجع الحقول والمساكن للوراء بعض الشيء. عثر على أفلاج العصر الحديدي في الهيلي في العين، بدع ابن سعود، وإلى الشمال في منطقتي جبيب والمدام. أما في عمان، فقد عثر عليها في المياسر وراكي. كما عثر في عمان على جوار أحد الأفلاج على وعاءين خزفيين. أما في الهيلي، فقد كشفت الحفريات بجوار الشريعة أبنية كبيرة. ومن المعتقد أنها مواقع إدارية لتوزيع المياه الشحيحة والثمينة، وكان واحدها يسمى بيت الفلج. وقد ألف الدكتور التكريتي، الذي عمل في الإمارات 30 عاماً، كتاباً حول الأفلاج القديمة، ويتم حالياً ترجمة الكتاب من العربية إلى الإنجليزية. إن نظام الأفلاج هذا لا يزال يؤدي عمله حتى اليوم، في عصر التكنولوجيا هذا. وحيث أنه لا يعتمد على مضخات قد تتعطل وقساطل قد تصدأ وتتفجر، فإنه لا يزال يعمل بدون توقف 3000 سنة. كل ما كان يحتاجه هو تنظيف الأقنية من الطمي بين الفينة والفينة، خاصة بعد المطر الشديد. هذا، وقد وضع صاحب السمو الشيخ زايد\ بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، عندما كان ممثلاً للحاكم في العين في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، برنامجاً لتجديد الموارد المائية، بما فيها الأفلاج. وقد استغرق تنفيذ البرنامج 18 عاماً، ووفر الماء الذي أكسب العين شهرة واسعة بسبب تكور زراعتها. منقول
|
|
|